الشرق تريبيون- اخبار
كشف محللون إسرائيليون عن رسائل تحذيرية حاسمة وجهتها إدارة ترامب للحكومة الإسرائيلية خلال زيارات مكثفة لمسؤولين أمريكيين هذا الأسبوع، بينهم نائب الرئيس جيه دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو، حذروا فيها من خرق اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف من استغلال إسرائيل لعلاقتها القوية مع واشنطن للالتفاف على بنود الاتفاق.
حضور أمريكي دائم
اختار يوسي فيرتر، المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس"، عنوانًا صادمًا لمقاله: "حتى الأمريكيين بدأوا يشكون في نتنياهو: هل يدير لعبة مزدوجة؟"، لافتًا إلى أنه منذ زيارة ترامب للكنيست، لم يمر يوم تقريبًا دون وجود كبار المسؤولين الأمريكيين في إسرائيل بهدف واضح، وهو مراقبة التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار.
وأشار فيرتر إلى أن جارد كوشنر وستيف ويتكوف استقرا بشكل دائم، بينما جاء فانس وغادر، وسيغادر روبيو السبت، وقريبًا سيصل رئيس وكالة الاستخبارات المركزية.
وكشف فيرتر أنه في مستوطنة كريات جات أُنشئت قيادة أمريكية، حيث شارك كوشنر وويتكوف في اجتماع الحكومة الإسرائيلية، والتقوا بالضباط، واستمعوا، بل وأصدروا التوجيهات.
ولفت إلى أنه عندما هاجمت حماس جنديًا إسرائيليًا وقتلت ضابطًا ومقاتلًا، لم يتسرع ترامب في ترديد الشعارات الإسرائيلية التقليدية بأن "الكل هو حماس"، بل اعتبرها منظمات متمردة وأصدر تعليماته بوقف إطلاق النار.
ابتسامات تخفي عصا قوية
وافق المحلل العسكري في صحيفة "يسرائيل هيوم" يوآف ليمور على هذا التوصيف، واصفًا الزيارات بأنها "مزيج من العناق والابتسامات أمام العالم، لكنها تجاه الداخل كانت حكمًا صارمًا للتأكد من أن الأمور تحت السيطرة".
وأكد أن الرسائل الأمريكية كانت "قاطعة وواضحة في كل اللقاءات، محذّرة من أي خرق لاتفاق وقف إطلاق النار".
وأضاف فيرتر أن فانس قال في مؤتمر صحفي: "إسرائيل ليست دولة تابعة، ولا دولة وصاية... نحن لا نراقبها كطفل"، لكن بجانبه بدا نتنياهو متوترًا، مدركًا التأثير المدمر لهذه التصريحات.
ورأى فيرتر أنه طالما بقي الأمريكيون ويمسكون نتنياهو عن كثب، يمكن الاطمئنان، مشيرًا إلى أنهم يحملون "عصا قوية" خلف اللغة الدبلوماسية.
"فرامل ترامب"
أشار ليمور إلى أن نتنياهو نجح بمهارة في إيهام الجمهور الإسرائيلي بأنه متفق تمامًا مع الإدارة الأمريكية، إلا أن الواقع مختلف جوهريًا، إذ وضع ترامب "فرامل" على عدة خطوات إسرائيلية في الأشهر الأخيرة، من بينها منع هجوم على إيران للمرة الثانية، وإجبار إسرائيل على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ومنع رد إسرائيلي واسع على مقتل جنود في رفح.
وأكد ليمور أن هذه الإجراءات لا تأتي من محبة شخصية لإسرائيل أو لنتنياهو، بل تهدف إلى ضمان تنفيذ الاتفاق في غزة الذي يراقبه ترامب شخصيًا، ما يضع إسرائيل في موقف صعب.
تدخل وقح أم علاقة نفعية؟
لخص ألون بانكس، القنصل الإسرائيلي السابق في نيويورك، الموقف بقوله: "ترامب يتخطى الحدود ويتدخل بوقاحة في الشؤون الداخلية لإسرائيل"، في مقابلة مع راديو 103FM، مركزًا على سلوك ترامب وعلاقته بنتنياهو.
ووجه بانكس انتقادات شديدة قائلًا: "ترامب، رغم كونه رئيس الولايات المتحدة، هو زائر من دولة أجنبية، ويتدخل بشكل صريح في شؤون داخلية لدولة أخرى".
وردًا على سؤال الإذاعة حول ما إذا كانت إسرائيل دولة تابعة للولايات المتحدة، أوضح بانكس: "الأمر ليس تبعية، العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة غير متماثلة، نحن نوع من 'الدولة العميلة'، وبالنظر إلى الحسابات على مدى عقود، إسرائيل استفادت من هذه العلاقة".
من جهته، وصف المحلل السياسي ناحوم برنياع في صحيفة "يديعوت أحرونوت" سياسة الإدارة الأمريكية بأنها تركز على وضع حدود لإسرائيل بدلًا من المواعظ الأخلاقية، كما كان الحال مع الإدارات الديمقراطية السابقة.
وأضاف أن إسرائيل مرتبطة بأمريكا عسكريًا وسياسيًا منذ الستينيات، وأن اعتمادها على إدارة ترامب مختلف، إذ تمثل الصديق الوحيد الذي يمكن الوثوق به بعد فقدان دعم الآخرين في أوروبا وأمريكا، ما يجعل أي صدام بين نتنياهو وترامب محدودًا.
ائتلاف هش
وأشار برنياع إلى أن هناك تبعات سياسية لهذا التعلق، خاصة أن بن جفير وسموتريتش يتجاهلان القيود الأمريكية، مستغلين عام الانتخابات لتصوير نفسيهما كـ"اليمين الحقيقي" وجعل نتنياهو يبدو كدمية مربوطة بخيوط ترامب.
وأضاف فيرتر في سياق متصل أن الشركاء خارج حزب الليكود، بمن فيهم أرييه درعي رئيس حزب "شاس" الديني، يظهرون ازدراءً واضحًا تجاه نتنياهو، والائتلاف يبدو هشًا.
في المقابل، يواصل بعض وزراء نتنياهو المقربين مطالبة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج بالتدخل لوقف الملاحقات القضائية ضد رئيس الوزراء في قضايا الفساد، وهو ما وصفه فيرتر بـ"الولاء الأعمى" الذي يتجاهل استقلال القضاء.