الشرق تريبيون - العطيفى
رى العديد من الكتاب والخبراء في المجال الاقتصادي أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة تحمل في طياتها تبعات اقتصادية واسعة النطاق، لا تقتصر فقط على الولايات المتحدة، بل تمتد إلى الأسواق العالمية، وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط. وترتبط هذه التبعات بالتوجهات الاقتصادية والسياسات التجارية والاستثمارية التي سيتبناها الرئيس الأمريكي القادم، والتي ستؤثر على قطاعات حيوية، مثل أسعار النفط، والاستثمارات الخارجية، ودرجة الاستقرار في السوق العالمية. وفي هذا السياق، ذكر تقرير لموقع SNA Business أن منطقة الشرق الأوسط تعيش حالة من الترقب مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث تتأثر بشكل عميق ملامح الاستقرار السياسي والاقتصادي في عدد من دول المنطقة بتوجهات الرئيس الأمريكي الجديد، وذلك لعمق التشابك في العلاقات بين واشنطن ودول المنطقة، في ظل شراكات استراتيجية تلقي بظلالها على مجالات الأمن والاقتصاد والسياسة. وأضاف التقرير أن التحديات الاقتصادية تبرز على رأس القضايا التي ستتأثر بنتائج الانتخابات، حيث يعتمد مستقبل استقرار أسعار النفط وتجارة السلع الأساسية بشكل أو بآخر على سياسات واشنطن تجاه المنطقة، ففوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب قد يعني استمرار السياسة الصارمة تجاه إيران، بما لها من تداعيات على المنطقة، في حين قد يشير فوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس إلى تهدئة التصعيد واعتماد مسار أكثر دبلوماسية، مما قد يفتح آفاقا جديدة للتعاون الاقتصادي، خصوصا في مجالات الطاقة المتجددة والبنية التحتية. وذكر أن السياسة التجارية والاستثمارية للولايات المتحدة تشكل عاملا حيويا يؤثر مباشرة على اقتصادات دول الشرق الأوسط، سواء من حيث فرض الرسوم الجمركية أو تعزيز الشراكات التجارية، فقد يسعى ترامب لدعم الشركات الأمريكية ورفع تنافسيتها العالمية عبر سياسات تجارية حمائية، في حين قد تفضل هاريس تقوية التعاون مع المنطقة وخلق فرص استثمارية جديدة، ما من شأنه دعم الصناعات غير النفطية، وتوفير فرص لتنويع مصادر الدخل. وأوضح التقرير أن التبعات الاقتصادية للانتخابات الأمريكية على الشرق الأوسط تظل مرهونة بالنهج الاستراتيجي للرئيس القادم، وسيكون على صناع القرار في دول المنطقة إعادة ترتيب أولوياتهم وتكييف استراتيجياتهم الاقتصادية وفقا للسياسات الأمريكية القادمة، سواء بالاعتماد المتزايد على شراكاتهم مع واشنطن أو بتعزيز مسارات تنويع الاقتصاد للحد من التبعية، في ظل تزايد التحديات والتغيرات على الساحة العالمية. وفي هذا الإطار، قالت الكاتبة الصحفية المتخصصة في الشؤون الأمريكية هبة القدسي: إن منطقة الشرق الأوسط ستظل تستحوذ على اهتمام ساكن البيت الأبيض بعد الخامس من نوفمبر، سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الاقتصادي. وأوضحت القدسي، أن القيام بالأعمال والاستثمار في دول منطقة الشرق الأوسط يتطلب نوعا من الاستقرار السياسي، وهو ما يدفع الرئيس الأمريكي القادم للقيام بدور فعال في تهدئة وإنهاء الحرب لتتمكن شركات القطاع الخاص من القيام بالأعمال والاستثمارات في المنطقة. من جهته، أوضح رئيس الأسواق العالمية في Cedra Markets جو يرق أن كلا التيارين في الولايات المتحدة سواء الجمهوري أو الديمقراطي يحمل التوجهات والسياسات ذاتها نحو منطقة الشرق الأوسط. وقال يرق إن اقتصاد منطقة الشرق الأوسط يرتبط بما يشهده الاقتصاد الأمريكي من تطورات، خاصة على مستوى التضخم والسياسات التي يتبعها الفيدرالي الأمريكي سواء برفع معدلات الفائدة أو خفضها، موضحا أن ترامب كان قد طالب المركزي بخفض الفائدة، وأي تخفيض للفائدة في البنوك الأمريكية تلحق به البنوك الخليجية وهو ما يعطي دفعة قوية إيجابية لاقتصاد الشرق الأوسط من خلال تخفيض الفوائد. إلى ذلك، قال وضاح الطه المحلل المالي وعضو المجلس الاستشاري الوطني لمعهد CISI: إن اقتصاد منطقة الشرق الأوسط عادة ما يتأثر بالاقتصاد الأمريكي، الذي استقر أداؤه في الفترة الأخيرة وتحسنت المؤشرات، منها انخفاض معدلات البطالة والفائدة، كما أن معدل النمو الاقتصادي مقبول. وأوضح الطه أنه بالنسبة لمعدل أسعار النفط فهو يتأثر بانخفاض الطلب من الصين وزيادة إنتاج بعض الدول خارج أوبك، وهو ما يؤدي إلى تراجع أسعار النفط إلى مستويات قريبة من 70 دولارا، خاصة في العام المقبل، إلا إذا ازدادت التوترات الجيوسياسية بحدوث أي تصعيد يقود إلى الحد من إنتاج النفط في أية دولة منتجة للنفط، ذلك بتوجيه ضربة إسرائيلية إلى منافذ التصدير أو منابع الإنتاج الإيرانية (بحسب قوله)، ما يؤدي إلى ارتفاع كبير قد يصل إلى 100 دولار بالأسعار؛ لذا يجب أن يعمل الرئيس الأمريكي القادم على ترسيخ الاستقرار بالمنطقة. من ناحيته، ذكر تقرير لشبكة CNBC أن موجة الأخبار الاقتصادية الجيدة خلال الأسبوع الماضي تعني أن الرئيس الأمريكي القادم سيرث اقتصادا مزدهرا، وهو ما يشكل تحديا لبرنامجه الاقتصادي، مضيفا أنه قبل أيام من الانتخابات، من المتوقع أن يتراجع التضخم بشكل أكبر عن الذروة التي وصل إليها خلال الجائحة، فيما يتجاوز خلق فرص العمل في القطاع الخاص التقديرات، وتظهر بيانات مبيعات المنازل تقدما، أما معنويات المستهلكين فتتجه نحو التفاؤل، في حين ينمو الناتج المحلي الإجمالي بسرعة، وإن كان أقل بقليل من بعض التوقعات. ولفت التقرير أن كلا من المرشحين الرئاسيين، الديمقراطية كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترامب، يقدم نفسه بأنه الأفضل لمستقبل الاقتصاد الأمريكي، ويعترف باستياء الناخبين المستمر من الاقتصاد، فعلى الرغم من البيانات القوية للاقتصاد الأمريكي، فإن مزاج التشاؤم الاقتصادي بين الناخبين دفع كلا من ترامب وهاريس إلى طرح جملة من الوعود بمستقبل اقتصادي جيد.
وأوضح أن الاقتصاديين، بما في ذلك حلفاء ترامب، يرون أن تعهده بفرض تعريفات جمركية عالمية على الواردات من جميع البلدان، وتنفيذ برنامج شامل لترحيل المهاجرين، وتعميق التخفيضات الضريبية على الشركات الأمريكية، يمكن أن تؤدي إلى انهيارات محتملة في السوق، فيما تواجه هاريس انتقادات من الاقتصاديين بسبب خطتها لزيادة معدلات الضرائب على الشركات ومقترحها لسن "أول حظر فيدرالي على التلاعب بأسعار المواد الغذائية والبقالة". وفي هذا السياق، قال جاستن ولفرز أستاذ السياسة العامة والاقتصاد في جامعة ميشيغان: إن الاقتصاد المستقر سيكون فرصة للرئيس المقبل للتركيز فعليا على السياسات التي اعتمدها في حملته الانتخابية، مضيفا أنه سيتعين على الرئيس المقبل إجراء توازن دقيق بين تنفيذ تعهداته بإصلاح الاقتصاد، وعدم عرقلة المسار الحالي للنمو الاقتصادي الحقيقي.
كما نقل تقرير لموقع شبكة ABC News عن خبراء في مجال الاقتصاد السياسي قولهم إن المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية، دونالد ترامب، يخاطر بإثارة قلق المستثمرين إذا قام بتنفيذ تهديداته التي أطلقها مؤخرا بقمع الخصوم السياسيين والمنافذ الإعلامية وبعض الوكالات الحكومية، في حالة فوزه بالانتخابات، وهو ما يزيد من حالة عدم اليقين لدى الشركات والاستغناء عن العمال. وأضاف التقرير أن الخبراء رأوا أن حدوث هذه التطورات قد يخفض نمو الاقتصاد الأمريكي، ويزيد احتمال حدوث تباطؤ اقتصادي ويضر بالوضع المالي للأفراد العاديين. وذكر بعض هؤلاء الخبراء أن التأثير قد يكون ضئيلا في الأمد القريب، ولكن يمكن أن يزيد بشكل كبير مع مرور الوقت، معترفين بصعوبة التنبؤ إلى أي مدى قد تقيد الضوابط والتوازنات القائمة ترامب في تنفيذ هذه التهديدات.
وفي هذا السياق، قال توماس بيبنسكي أستاذ الحوكمة والسياسة العامة في جامعة كورنيل: إن الأشخاص المهتمين بإجراء استثمار كبير سيكونون أقل ميلا إلى القيام بذلك ما لم يتمكنوا من كسب ود الرئيس نفسه، مضيفا: "سيكون هناك من سيستفيدون ولكن المواطن الأمريكي العادي سيخسر". من جانبه، قال دارون أسيموغلو أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: إنه لن يكون هناك ركود اقتصادي فوري، إذا قام ترامب فجأة بتهديد سيادة القانون، لكن ستحدث حالة كبيرة من عدم اليقين، وهو ما ستكون لها آثار اقتصادية، مضيفا أنه إذا كان بإمكان الشركات التي يفضلها ترامب أن تتوقع الحصول على صفقة خاصة، بينما لا تستطيع الشركات الأخرى المنافسة، فإن ذلك يمثل وضعا خطرا. أما المستشار الاقتصادي للرئيس السابق، ستيفن مور، فقد انتقد فكرة أن الديمقراطية ستضعف خلال فترة ولاية ترامب الثانية، قائلا إنه بدلا من ذلك، فإن الاقتصاد سوف يؤدي بشكل جيد، تماما كما فعل خلال فترة الولاية الأولى لترامب.