الجريدة العربية الاولى عند التأسيس ناطقة باللغة العربية والانجليزية والفرنسية ..مقرها لندن والقاهرة وقريبا فى دول الخليج و المغرب العربى

رئيس التحرير
محمد العطيفي
الشرق تريبيون
مستقلة. سياسية. دولية
الصوت العربي الى العالم
عاجل
سينما

الجزء الثانى " الفنانة اللبنانية صانعة السعادة أمال غفيش تحية وفاء

الجزء الثانى " الفنانة اللبنانية صانعة السعادة أمال غفيش تحية وفاء

كتبت : جينا عيسى 

عزيزي القاريء أعود إليك في المقالة الثانية التي فيها ارسل تحية وفاء إلى ابتسامة الأجيال إلى الفنانة التي لن تتكرر . انها الممثلة القديرة أمال عفيش التي تضيء صورتها هذه الجريدة و هذا المقال.

ما أن التقطت القلم ثم وضعته جانباً وتكرر هذا الموقف ، فنظرت اليه وكأني اساله ما بك ؟ لماذا تعاندني ؟ لماذا تتمنع؟ وكأن القلم يعلم جيداً ان حبره سيسيل دموعاً تدوّن فيها بعض من الحياة الخاصّة للفنانة امال عفيش. اجتذبته وبدات في الكتابة. عندما عرض مسلسل (سحر) حظي حينها بأعلى نسبة ايرادات من الإعلانات ولمدة ستة سنوات متتالية وذالك بشهادة المخرج باسم نصر.

أنارت صورتها مجلة تلسينما التابعة لتلفزيون لبنان تكريماً لها . الخلود والمجد لا تمحيه أى ظروف .. . امال عفيش لم تكن حياتها وروداً بيضاء منثورة على عرش الفن ، ولكن فى الواقع هذه الورود زادها لونا الأحمر جمالا ، اشواكه تدمي ، وعطره يملأ الدنيا فناً أصيلاً وضحكة ذو علامة مسجّلة .

يخيّل الى المشاهد انها فراشة تطير على المسرح وفي ارجاء استوديو التلفزيون . ترفرف وكانها تنفض عنها نظرات الحقد والحسد من بعض زملائها، حاولوا ايقافها في بعض المسلسلات ونجحوا وكانت هذه الفراشة عازمة ان توفق بين اسرتها وعملها، فتارة هنا وأخرى هناك محاربة في العمل ومعاناة في المنزل، لم تستطع احتضان وتربية أطفالها كأي ام لانها حوربت من كل حدب وصوب وسلبت من أطفالها .

جاء فيلم عذاب الأمهات ليعنون حياتها العائلية. هي ام حنونة عطوفة محبّة ومعطاءة وام بكل معنى الكلمة ولكن كيف تصفّق اليد الواحدة ! لقد عُنّفت من قبل بعض أزواجها وذاقت المر وشربت هذا الكأس، وحينها لم يكن هناك جمعيات تعنى بالمرأة وحقوقها وتدافع عنها. لم يكن هناك تواصل اجتماعى ولا فايس بوك ولا تيك توك… لتلقى العون وتجعل حداً لعذابها لذا حرمت من أطفالها ويا لها من كلمة تدمي القلب وتفطر الفؤاد .

لم تيأس . . لملمت جراحها واكملت المسير مثقلة بهموم أمومتها فأضحكت الملايين وداخلها ينزف همّاً وشوقاً لاطفالها. بدأة المكائدة تحاك لها من بعض الحاسدين مما جعلها تترك لبنان عنوة وتأتي إلى لندن مدينة الضباب، وهنا في لندن يساعد الضباب إلى حجب الرؤية عن الحاسدين ومفتعليّ المشاكل .

ساعدها هذا لاستراحة قصيرة لحوالي سنة ونصف كانت تعيش بين اصدقائها تنعم بالسلام وتأخذ استراحة المحارب. كلنا سمعنا عن السيدة دنيز جبور مديرة أعمال الفنان العظيم فريد الاطرش، كانت الفنانة امال عفيش صديقة مقرّبة من دنيز جبور وقد عاشت طول هذه الفترة في منزلها بلندن، محاطة بألمع النجوم ومتوهّجة بنورها الفني الذي أضاء لندن وازاح ضبابها.

كل من عرفها أحبّها لخفّة روحها وجمال ضحكتها وأنوثتها الفاتنة وفنّها الراقي، لم يكن الجميع يعلم ان داخل هذه الفنانة العظيمة والجميلة كسور وجروح غير ملتئمة. نادتها اضواء المسارح في لندن وكانت هذه المدينة وقتها تضج بالمسارح وأماكن السهر التي يرتادها العرب، وقف على مسارحها كبار الفنانين وصدحوا باصواتهم التى علت على صوت دقات ساعة بيج بن،. شدا بالصوت العملاق وديع الصافي، السلطان جورج وسوف، الشحرورة صباح، الفنانة الام سعاد محمد وغيرهم وغيرهم ولكن الفراشة آمال عفيش لم تستطع فرد أجنحتها على المسارح وتشدو بصوتها العزب لان جراحها كانت أقوى، كانت قيود وأصفاد تكبلها . .

كان لها محطة قصيرة جداً في باريس عاصمة الجمال والموضة ولكن سرعان ما انتقلت مع بعض أصدقائها إلى فلوريدا ثم إلى المكسيك ومن ثم إلى ميشيجان وعاشت هناك حوالي ستة سنوات وهناك تعرفت إلى زوجها وعاشت حياة عائلية مستقرّة لحوالي ١٢ سنة، مع زوج احبها وأحبّته وكان يغدق عليها بالهدايا والمجوهرات.

كانت محبوبة جداً من جيرانها واصدقائهم وتجيد فن بعض أنواع الطبخ وتخبر يوماً موقفاً طريفاً حصل معها فكانت قد أعدّت بعضاً من مناقيش الزعتر وهو عبارة عن عجين ونضع فوقه الزعتر والزيت ويخبز بالفرن وهو افطار لبناني عربي محبوب على مائدة الفطور صباحاً وكان لآمال جارة اجنبية يابانية فقدّمت لها بعض من المناقيش وفي اليوم الثاني جاءت اليها تقول ان زوجها لم يحب هذا النوع من الخبز فأخبرت أمال ان زوجها وضع الكاتش اب عليها وتذوقها ظناً منه انها بيتزا! ! ولم يحب طعمها إطلاقاً تخبر أمال هذا وتضحك بضحكتها المعهودة المليئة شجناً وعذوبة ..

هي إنسانة مؤمنة تحمل في قلبها إيماناً عظيماً لله عز وجل وجميع قديسيه ورسله، كانت تقود سيارتها قاطعة مسافات شاسعة للوصول إلى الكنيسة لتصلي وتتضرّع طالبة الراحة والسلام، ومضت السنين بين غربة الوطن وغربة اولادها ..

كان  اول نداء من ابنتها كان بمثابة بوق نجدة ومساعدة تطلبها من والدتها فلم تتأخر ولم تتوانى ولملمت حوائجها للعودة إلى لبنان والوقوف بجنب فلذة كبدها . وكان الخيار صعب أما نداء ابنتها او الطلاق من زوجها الذي صمم على الطلاق لو رجعت إلى لبنان وكان الطلاق كأقسى خيار ، فالأم لا تتوانى لحظة ان تفدي اولادها بروحها وقلبها وحياتها . .

هرولت إلى المساعدة والوقوف بجانب ابنتها ولكنّ المال اعمى أعزّ الناس وتسلل الطمع للقلوب والضمائر وطردت نعم طردت، هي التي ضحّت بزواجها وحبّها واستقرارها والحياة المنظّمة في اميركا واجهت مصيراً صعباً من دون منزل وسقف يأويها نزلت بضيافة عند صديقة لوقت قصير ثم استأجرت شقة تملكها احدى صديقاتها. ومرّت الايام وتضاءلت أعمالها الفنية وكلّنا يعلم موضوع البنوك في لبنان وكيف تم سرقة أموال الشعب.

يا له من موقف فظيع استيقظت في يوم والأموال التي أتت بها من اميركا سرقت في البنوك تبخّرت كانت صدمة زلزلت ما تبقى من قواها وعانت ….ففي لبنان ليس كلندن فهنا المملكة تساعد رعاياها وتقدم لهم السكن والمال كما تقدم الخدمات الطبيّة المجانية اما في لبنان كل هذه الخدمات ليست موجودة.

ضاقت بها الدنيا وتراكم ايجار المنزل شهوراً لم تدفعه فما كان منها الاّ رهنت مجوهراتها مقابل حفنة بسيطة من الدولارات وتبخّرت المجوهرات ورفعت الصوت مناشدة ومطالبة بحقها ولكنها حصلت على قطعة او قطعتين منهم. سرق المال وسرقت المجوهرات واصبحت من دون منزل. عانت الأمرين وفي النهاية قادها إيمانها العميق وساعدها الى السكن في شقة يعود ملكها للوقف المسيحي الأورثوذوكسي في بيروت .

بالحقيقة لم تكن شقّة بل مكتب من مكاتب العمارة حوّلتها إلى شقة متواضعة احتمت بين جدرانها وتدفع ايجاراً بسيطاً للوقف، تحتمى من التشرد و من غدر الزمن وغدر البشر وطعن الاقارب ..

السنين تترك اثراً على وجوهنا وأجسادنا وجسمها النحيل ارهقه الغدر والحزن والعذاب ، وزارتها الأوجاع الجسدية وعانت الامرّين من آلام الظهر والعظم والأرجل…. في وطن يشحذ فيه المواطن حبّة الدواء. هذه الفنانة العظيمة كانت تقف في الطابور منتظرة دورها لأخذ الأدوية وكانت عيون بعض الناس وألسنتهم وشماتتهم سكاكين تقطع في احشائها كانت تبتسم والقهر يعصر احشائها .

كل هذا ثمن تدفعه لقاء حبّة دواء. وهي التي بضحكتها وحضورها داوت قلوب كثيرة. . يقولون الاولاد عزوة وعكاز عندما نشيخ ولكنها واجهت وتواجه كل هذا بمفردها .. تحكي في مقابلة تلفزيونية انها وصل بها الأمر لارجاع اربعة افخاذ من الدجاج لانها لا تملك المال الكافي لشرائه ، ووصل بها الامر ان رمت الكثير من ثيابها وحلقت شعرها لان العفن تسلل إلى الشقة المتواضعة التي تسكنها ..

جاهدت ساعية للعمل ولكنّها حوربت مجدداً واغلقت كل الأبواب المؤدية للعمل، يد خفية وربما يد قريبة! أوصدت الأبواب في وجهها وغدى التمثيل محجوب عنها. المنتجين في لبنان باتوا يأتون بممثلين من الخارج ولا يقدمون اعمالاً على القديرة امال .

وهي ليست لوحدها فهناك كم هائل من الممثلين المغيبين . رؤوفة هي وحنونة كانت قطاتها الثلاثة التي أتت بهم من اميركا سلواها وحبها كانت ترى فيهم الوفاء والحب الذي يفتقده الكثير من البشر في عصرنا هذا، خصوصاً قطتها بلانشا كانت شقية تجلب لها السعادة والفرح وكان القط الوفي بالّو موتشو يدفىء منزلها حباً ووفاءً وحنان، إلى أن اضطرّت إلى إرساله إلى صديقة لها في فرنسا لانها أصبحت غير قادرة على الاعتناء به. اسمحي لي ان اناديك امال عفيش لان اسمك اكبر من اي لقب و اغلى من اي جائزة نلتيها. تحية لك أيتها الانسانة المناضلة، أيتها الانسانة المؤمنة، تحية حب واكبار، تحية وفاء واجلال. هذه الحياة مسرحاً كبيراً يبدأ بالأحلام ثم يتلاشى بعضها تطفىء الانوار وتخلو الصالة من المشاهدين ….وتغلق الستارة ولكن التاريخ يبقى يخبر اجيال واجيال .

 انه بعد ان تسدل الستارة يواجه الفنان مصيراً صعباً وواقع مرّ ويذوق طعم الحياة الحقيقية على مسرحها الكبير حيث لا جمهور ينفعه ولا جوائز تؤكله ولا تصفيق يسنده.

 

إضافة تعليق

لن يتم نشر البريد الإلكتروني

ذات صلة

الشرق تريبيون
عادة ما يتم الرد خلال 5 دقائق
الشرق تريبيون
أهلا وسَهلًا 👋

كيف يمكننا تقديم المساعدة؟
بدء المحادثة