فون دير لاين تحت الضغط.. الاتفاق التجاري مع ترامب يعمق انقسامات أوروبا

الشرق تريبيون- متابعات

تواجه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أصعب فترة في ولايتها، بعد صيف حافل بالأزمات والتحديات الجيوسياسية التي هزت مكانة الاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية. وخلال خطابها السنوي أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورج، حذرت فون دير لاين من أن أوروبا تعيش في عالم "لا يرحم" تواجه فيه قوى عظمى "غير مبالية أو معادية علنًا"، وفقًا لما نقلته صحيفة "بوليتيكو".

اتفاق ترامب التجاري

يُعتبر الاتفاق التجاري الذي وقعته فون دير لاين مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يوليو الماضي أكثر القرارات إثارة للجدل في ولايتها الثانية. ووفقًا لاستطلاع رأي شمل أكبر خمس دول في الاتحاد الأوروبي (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبولندا)، اعتبر 52% من المواطنين هذا الاتفاق "إذلالًا" لأوروبا، بينما رأى 75% أن فون دير لاين فشلت في الدفاع عن المصالح الأوروبية.

وبموجب الاتفاق المعلن في منتجع ترامب للجولف في تورنبيري، التزم الاتحاد الأوروبي بإلغاء الرسوم الجمركية على العديد من السلع الأمريكية، مقابل قبول رسوم جمركية بنسبة 15% على المنتجات الأوروبية و50% على الصلب، كما تعهدت أوروبا بشراء منتجات طاقة أمريكية بقيمة 750 مليار دولار بحلول 2028، شملت الغاز الطبيعي المسال والنفط والمنتجات النووية.

وأقرت آنا كافازيني، نائبة حزب الخضر التي تترأس لجنة السوق الداخلية في البرلمان الأوروبي، عن إحباط ناخبيها في شرق ألمانيا الذين كانوا يتطلعون إلى اتحاد أوروبي قوي يقف بحزم ضد الضغوط الأمريكية، لكن النتيجة جاءت مخيبة لآمالهم. لكنها حملت المسؤولية أيضًا للحكومات الأوروبية التي "كانت تقيد المفوضية" وتسعى لحماية صناعاتها المفضلة.

أزمات متعددة

لم تقتصر التحديات على الملف التجاري، إذ شهد هذا الصيف تصعيدًا خطيرًا في عدة جبهات، حيث تصاعدت الهجمات الروسية على أوكرانيا، بينما تابع القادة الأوروبيون بألم مشهد الاستقبال الحافل الذي حظي به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من ترامب في ألاسكا، حسبما ذكرت "بوليتيكو".

وفي الشرق الأوسط، استمرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة دون هوادة، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 64 ألف شخص ونشر المجاعة في القطاع، بينما عجزت دول الاتحاد الأوروبي عن التوصل لاتفاق حول عقوبات متواضعة ضد حكومة بنيامين نتنياهو.

وتزامن ذلك مع حرائق غابات محطمة للأرقام نتيجة أزمة المناخ، إذ التهمت النيران مليون هكتار عبر البلدان المتضررة، وهي مساحة تعادل ثلث مساحة بلجيكا.

انتقادات متصاعدة

واجهت فون دير لاين انتقادات لاذعة من مختلف الأطياف السياسية في البرلمان الأوروبي، إذ حذرت فاليري هاير، زعيمة مجموعة "التجديد" الوسطية، من فقدان ثقة المواطنين الأوروبيين بسبب عدم إشراكهم في القرارات المهمة، وأن الاتحاد يظهر بمظهر الضعيف في الوقت الذي يحتاجون فيه للحماية.

بينما قال باس إيخاوت، زعيم الخضر، إن "أوروبا دخلت عالم القوة، لكننا ما زلنا نلعب الشطرنج في مباراة ملاكمة".

من جانبها، انتقدت كلوي ريديل، النائبة الاشتراكية الفرنسية المكلفة بكتابة برنامج حزبها للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2027، إدارة الأزمات الأخيرة مقارنة بولاية فون دير لاين الأولى التي شهدت قرارات جريئة بشأن لقاحات كوفيد والعمل المناخي.

وقالت: "أوروبا تختفي لأننا ضعفاء أمام ترامب، ولا نستطيع دعم أوكرانيا بمفردنا أمام بوتين، ولا نفعل شيئًا ضد الحكومة الإسرائيلية في غزة".

وفي إشارة لعمق الأزمة، تواجه فون دير لاين اقتراحين بسحب الثقة في البرلمان الأوروبي: الأول من اليمين المتطرف والثاني من اليسار المتشدد، حيث أكدت المجموعتان حصولهما على 72 صوتًا اللازمة لطرح الاقتراح.

وبينما تؤكد الكتل البرلمانية الداعمة للمشروع الأوروبي أن هذه المساعي لن تنجح، تبقى هذه التحركات دليلاً واضحًا على حالة الانقسام الحاد التي تعيشها القارة الأوروبية.

محاولةلاستعادة الزخم

في محاولة لاستعادة المبادرة، اتخذت فون دير لاين موقفًا أكثر حزماً بشأن الصراع في غزة، معلنة تجميد الأموال الأوروبية للحكومة الإسرائيلية واقتراح عقوبات على الوزراء المتطرفين.

كما دافعت بقوة عن الاتفاق التجاري واصفة إياه بـ"أفضل صفقة ممكنة" توفر "استقرارًا حاسمًا في علاقاتنا مع الولايات المتحدة في وقت انعدام الأمان العالمي الخطير"، مؤكدة أن الاتفاق ضروري لحماية الوظائف والمشاركة الأمريكية في الدفاع عن أوكرانيا.