الجريدة العربية الاولى عند التأسيس ناطقة باللغة العربية والانجليزية والفرنسية ..مقرها لندن والقاهرة وقريبا فى دول الخليج و المغرب العربى

رئيس التحرير
محمد العطيفي
الشرق تريبيون
مستقلة. سياسية. دولية
الصوت العربي الى العالم
عاجل
الاعمدة والكتاب

دراما رمضان … محظورات تكتب السيناريو قبل المبدعين

دراما رمضان …      محظورات تكتب السيناريو قبل المبدعين

كتب للشرق تريبيون - عادل محمود 

التوجيهات التي ظهرت بخصوص أعمال رمضان 2026 تبدو للوهلة الأولى محاولة لضبط المحتوى، لكنها في الحقيقة تعكس رؤية ضيقة للفن ورسالة الدراما. المحتوى المنشور يشير إلى منع تناول الطلاق والخيانة، والحد من مشاهد البلطجة، وإبراز دور الدولة في السيطرة على الجريمة، وتجنب عرض تجارة الأعضاء، والحفاظ على صورة المرأة، إضافة إلى التأكيد على مكافحة الفساد.

هذه النقاط تكشف رغبة واضحة في فرض إطار محدد لما يجب أن تقدمه الدراما. الإطار يبدو مريحا لمن يريد صورة وردية عن المجتمع، لكنه بعيدا تماما عن الواقع. الفن لا يعمل داخل صندوق مغلق، ولا يتنفس تحت سقف منخفض.

عندما تطلب التوجيهات الابتعاد عن قضايا الطلاق والخيانة أو الحد من عرض الجريمة، فهي تتعامل مع هذه الظواهر وكأنها طارئة. الحقيقة أن هذه القضايا جزء من حياة الناس اليومية، ويستمد الفن قوته من تناولها. المنع لا يخدم المجتمع، بل يخلق فجوة بين ما يعيشه المواطن وما يشاهده على الشاشة. الدراما التي تفقد صلتها بالواقع تفقد جمهورها قبل أن تفقد قيمتها.

  إبراز دور الدولة والشرطة في السيطرة على الجريمة مطلب قد يبدو منطقيا، لكنه يصبح مشكلة عندما يتحول إلى قاعدة مسبقة. الدراما التي تدخل هذا النفق تتحول إلى نسخة ناعمة من نشرات الأخبار. الفن يحتاج إلى مساحة ليظهر الصراع، الفشل، النجاح، وليس فقط الجانب الذي يريح المتلقي أو يناسب السلطة. العمل الجيد لا يتجاهل دور الدولة، لكنه أيضا لا يقدمها بصورة مثالية طوال الوقت. المبالغة في التجميل تفقد الأعمال مصدقيتها.

منع الإساءة إلى المرأة هدف محترم، لكن تطبيقه يحتاج إلى عقلية فنية لا تعليمات جامدة. تقديم المرأة بشكل واقعي يعني إظهار قوتها وضعفها، صراعها وتناقضها، وليس وضعها داخل قالب مثالي لا يلمس الحياة الحقيقية. أي محاولة لفرض صورة واحدة للمرأة تقتل التنوع، وتعيد الدراما إلى الوراء.

المشكلة الأساسية في هذه التوجيهات أنها تعكس خوفا من طرح الأسئلة الصعبة. الفن لا يهدد المجتمع، بل يساعده. عندما تناقش الأعمال تجارة الأعضاء أو الفساد أو الجريمة، فهي لا تروج لها، بل تكشف أسبابها وتدعو للتفكير في حلولها. المنع المستمر يجعل الدراما مجرد واجهة بلا عمق. الإبداع يحتاج شجاعة. والمنع لا يصنع فنا ناجحا، بل يصنع أعمالا مسطحة لا تترك أثرا.

  من يضع هذه التوجيهات يتعامل مع الجمهور وكأنه لا يستطيع التمييز بين الدراما والتحريض. الناس تفهم الفرق بين التناول الفني والترويج. الأجيال الجديدة أكثر وعيا، وأكثر ارتباطا بالمنصات العالمية، ولن تكتفي بمحتوى محاصر بقيود قديمة. إذا أصبحت الدراما المصرية مقيدة بالكامل، سيتجه الجمهور إلى بدائل أخرى، وسيضعف تأثير الصناعة ككل.

هذه التوجيهات لا تساعد على تطوير الدراما، بل تضعها في مسار آمن ومكرر. المجتمع لا يستفيد من إخفاء عيوبه، ولا من تقديم صورة مثالية لا وجود لها. الدراما تنجح عندما تفتح الباب للواقع، عندما تناقش، تسأل، تجرح أحيانا وتداوي أحيانا أخرى.

إذا كان الهدف هو دراما قوية تحترم عقل المشاهد، فالحل ليس في قائمة محظورات، بل في دعم الحرية، وتشجيع الكتاب والمخرجين على الصدق، وتقديم أعمال تعكس الإنسان كما هو، لا كما يجب أن يظهر.

 

إضافة تعليق

لن يتم نشر البريد الإلكتروني

ذات صلة

الشرق تريبيون
عادة ما يتم الرد خلال 5 دقائق
الشرق تريبيون
أهلا وسَهلًا 👋

كيف يمكننا تقديم المساعدة؟
بدء المحادثة