الجريدة العربية الاولى عند التأسيس ناطقة باللغة العربية والانجليزية والفرنسية ..مقرها لندن والقاهرة وقريبا فى دول الخليج و المغرب العربى

رئيس التحرير
محمد العطيفي
الشرق تريبيون
مستقلة. سياسية. دولية
الصوت العربي الى العالم
عاجل
الاعمدة والكتاب

الإسلام بين العالمية والمحلية… قراءة في ضوء النص القرآني

الإسلام بين العالمية والمحلية… قراءة في ضوء النص القرآني

كتب : حامد الشريفى 

منذ انتشار الإنترنت وتعدد مصادر المعرفة، تنبّه كثير من المسلمين إلى أسئلة لم تكن تُطرح من قبل، لا لقلّتها، بل لأن المؤسسة الدينية لم تكن تملك الشجاعة لمواجهتها، أو لأنها كانت تخشى زعزعة النسق الذي بُني عبر قرون.

من بين تلك الأسئلة المصيرية، سؤال صادم وبسيط في آنٍ معًا: هل الإسلام دين عالمي؟ أم أنه رسالة محلية موجهة للعرب وحدهم؟

للإجابة الصريحة على هذا السؤال، لا بد من العودة إلى النص القرآني ذاته، لا إلى ما تراكم فوقه من فقه وتأويل وسياسة.

أولًا: لغة القرآن… وتحديد الجهة المخاطبة يقول تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (يوسف 2) ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ (إبراهيم 4) الرسالة نزلت بلسان عربي مبين، لأن القوم المخاطبين هم العرب، وهم فقط من سيفهم هذا الخطاب ويعيه.

فاللغة ليست مجرد وسيلة نقل، بل شرط للفهم والتكليف.

فكيف نُلزم غير العربي بتشريعات ورسائل لا يفهمها، ثم نحاسبه على تقصيره؟

بلغة أوضح: لو أن الله أراد إلزام الصيني أو الهندي أو الأمازيغي بالقرآن، لأرسله بلغتهم هم… لا بلغتنا نحن.

ثانيًا: لكل أمة رسول… وهذه قاعدة قرآنية لا استثناء فيها يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا﴾ (النحل 36) ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ (فاطر 24) الرسالة الإلهية لم تكن محتكرة، بل موزعة على الشعوب كلها. كل أمة كان لها نبي بلغتها، بثقافتها، بمنطقها، بأمثلتها الحياتية. فلماذا يُفرض على العالم كله لاحقًا نبي واحد، من أمة واحدة، بلغة واحدة؟

هذا تناقض واضح مع عدالة الله التي اقتضت توزيع النبوات بعدل وحكمة.

ثالثًا: خطاب القرآن نفسه محلي، لا عالمي القرآن ذاته يحدّد بوضوح مَن هو المعني بالرسالة في بدايتها يقول تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ (الشورى 7)

الخطاب واضح وضوح الشمس: الرسالة نزلت بلغة العرب لتنذر أم القرى (مكة)، ومن حولها من القبائل والمدن، أي منطقة جغرافية محددة، بلسان محدد، لشعب محدد. ولم يقل: “لتنذر العالمين” أو “الناس كافة”، بل قال: “أم القرى ومن حولها”. وهذا ينسجم مع قوله تعالى أيضًا: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ (الشعراء 214) فمنطق النصّ القرآني أن الرسالة موجهة في الأصل إلى قوم معينين، لا إلى البشر أجمعين.

رابعًا: حرية الإيمان أصل قرآني لو كان الإسلام دينًا عالميًا مفروضًا على البشر، لما قال الله: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (البقرة 256) ﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ (الكهف 29) ﴿أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس 99) بل حتى نبي الإسلام ص قيل له بوضوح: أنت مبلّغ… لا مُكره، ولا مسيطر، ولا رقيب.

خامسًا: حجة التعلُّم لا تنهض أمام منطق العدالة البعض يقول: “ليتعلم الناس العربية ليفهموا القرآن”، لكن هذا غير منطقي ولا عادل. فلو جاءك صيني وقال لك: “يجب أن تتعلم الصينية القديمة لتفهم تعاليم بوذا، وإلا فأنت في النار”، هل تقبل هذا؟ أليس هذا جورًا؟ والأدهى من ذلك: العرب انفسهم اليوم لا يفقهون القرآن! كونه بلغة عربية قديمة فيها من المفردات غير مستعملة اليوم.

•يختلفون في القراءات، وفي الفهم، وفي التطبيق.

•يتهم الفقيه خصمه بعدم فهم آيتين.

•تقسم الدين الى مذاهب بسبب التنقيط والفواصل والتحريك والترتيب لسور القرآن التي جاءت متأخرة بعد نزوله، ناهيك عن تأويل آياته الذي يتضاربون فيه.

فإذا كان العربي عاجزًا عن الفهم، فكيف بالصيني أو الكردي أو الأمازيغي؟

سادسًا: الرسالة ليست امتيازًا عرقيًا أن يُقال إن الإسلام رسالة عالمية، لكنه نزل بلغة لا يفهمها معظم العالم، وفي بيئة لا تشبه معظم البيئات، فهذا يجعل من النبوة امتيازًا عرقيًا لا رسالة سماوية. لكن القرآن يقول: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات 13) ولم يقل: “أعربكم” أو “أفصحكم”.

سابعًا: القرآن يُقرّ بإيمان غير المسلمين إن آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا صالحًا ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ (البقرة 62) أي أن النجاة ليست محصورة بالدخول في الإسلام الظاهري، بل بالإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وهذا يشمل الأمم التي لم تتلقَ الرسالة العربية.

ملحق ضروري: وماذا عن آيات “العالمية”؟ قد يقول قائل: “لكن الله قال: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾، وقال: ﴿قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا﴾، وقال: ﴿ليكون للعالمين نذيرًا﴾، فكيف تقولون إن الإسلام ليس دعوة عالمية؟”

وهنا لا بد من وقفة عقلية، هادئة، تفكك ظاهر هذه الآيات من باطن سياقها القرآني. أولًا، يجب التفريق بين “عالمية الإمكانية” و”عالمية الإلزام”: النبي ص كان رحمةً للعالمين، أي أن من بلغه وفهمه وأراد اتباعه، فهو رحمة له، لكن هذا لا يعني أن كل فرد في الأرض مكلّف بدعوته أو مذنب إن لم يتبعه.

ثانيًا، لو كانت الرسالة عامة قهرًا، لما قال الله: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا﴾ (الإسراء 15) ﴿ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا﴾ (يونس 99) ﴿أفأنت تُكْرِهُ الناس حتى يكونوا مؤمنين؟﴾ بل هو نفسه قال: ﴿ولقد بعثنا في كل أمة رسولًا﴾، و﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه﴾.

إذن، لا تناقض:

•العالمية = رحمة متاحة.

•المحلية = تكليف موجه ومحدد بقوم بعينهم. ومن لم تبلغه الرسالة، ولم تُبيَّن له، ولم تُفهم بلغته، فالله لا يحاسبه على ما لم يعلم، لأن الله عدله فوق كل تأويل.

الخلاصة: •القرآن نزل للعرب، بلسانهم، لأجل فهمهم، وليس للبشرية جمعاء.

•كل أمة لها نبيها بلغتها، وعدل الله لا يسمح بعكس ذلك.

•الإسلام لا يفرض نفسه، والقرآن لا يأمر بنشره قسرًا.

•دعوة غير العرب إلى الإسلام ليست تكليفًا قرآنيًا، بل مشروع فقهي وسياسي لاحق.

•وآيات “العالمية” لا تعني الفرض والإكراه، بل الرحمة المفتوحة لمن بلغه الحق وفهمه. وبهذا، فإن من يؤمن بأن الإسلام دين محلي، ليس عدوًا للإسلام، بل هو متفق مع نصه الصافي… وكل ما عدا ذلك تأويل وتأزيم وتحميل للقرآن ما لم يقل

إضافة تعليق

لن يتم نشر البريد الإلكتروني

ذات صلة

الشرق تريبيون
عادة ما يتم الرد خلال 5 دقائق
الشرق تريبيون
أهلا وسَهلًا 👋

كيف يمكننا تقديم المساعدة؟
بدء المحادثة